" ابنة الأجنبية": توازن هوية مزدوجة.
حوار مع الروائية العراقية بتول الخضيري |
وُلدت بتول الخضيري في بغداد لأب عراقي ولأم
اسكتلندية في عام 1965. صدرت روايتها الأولى " كم بدت السماء
قريبة" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في لبنان 1999. ثم ظهرت
هذه الرواية باللغة الانجليزية بعنوان "
A Sky
So Close" بترجمة
مهيمن جميل. أما الطبعة الأميركية الأولى فقد صدرت عن
Pantheon،
في نيويورك، عام 2002، ثم صدرت طبعة بغلاف ورقي عن دار
Anchor
في نيويورك أيضاً عام 2002. ومن المتوقع أن تظهر الطبعة الفرنسية
عن دار Gallimard
في باريس بحلول صيف عام 2004.
[تتحدث] الرواية الغنية والوصفية عن فتاة ينحدر
أبواها من أصل عراقي وبريطاني، تكبر في "الزعفرانية"، وهي قرية
عراقية تقليدية، وتُعرف في هذه القرية بوصفها " ابنة الأجنبية".
تنتقل العائلة إلى بغداد، ونتيجة لإصرار الأم، تدرس الفتاة فنّ
الباليه. تسرد الفتاة المراهقة تفاصيل من الحرب العراقية الإيرانية
وموت والدها وسوق حبيبها النحّات إلزامياً إلى الجيش. وعندما
يتفاقم سرطان الثدي التي تعاني منه أمّها، ترافقها إلى لندن، حيث
تغدو أجنبية، ولكنها تتوقف عن اختيار المواقع وتلتصق بكلتا
الثقافتين، وهي خطوة باتجاه النضج وبرغم الألم التي سببته ، نتج
عنها التحرر. رغم وجود موازيات رئيسة في الرواية، تصرّ الخضيري أن
الرواية ليست سيرة ذاتية( لسبب واحد، فهي لم تدرس الباليه مطلقاً).
جاءت إلى لوس أنجلس مشاركة في جولة [لتقديم] كتابها ، وظهرت متحدثة
مع هيئة في UCLA
(جامعة مدينة لوس أنجلس)، حيث تحدثّت مع مجلة الجديد، بعد ثلاثة
أسابيع فقط من بداية الحرب ضدّ العراق.
غبريال: من المؤاتي
أن تكوني عراقية.
خضيري: نعم مصادفة أن أكون كذلك. لم يكن هذا مخططاً. لم يكن له
علاقة بأحداث العالم، وهذا ما جعلني أتساؤل، هل بدأ الناس في هذا
الوقت فقط يعيرون انتباههم للعراق. وتجعلني أمعن في التساؤل حول
أهمية الكتابة، لأنني كنت أتساؤل في مرحلة معينة، هل أهجر الكتابة
أم أوّثق حياتنا في بغداد، لأن الرواية الأولى التي كتبتها، عندما
كتبتها، كتبتها لنفسي فقط. كان والدي قد توفي لتوّه في حادث سيارة
في عام 1990. أمي تعاني من السرطان. كان علي أن آخذ أمّي إلى
بريطانيا بسرعة، بسرعة، بسرعة ولأرعاها لمدة ثلاث سنوات قبل موتها،
لذا لم أفكّر بالنشر مطلقاً. لم أكتب ونصب عيني هدفاً. بعد تسعة
إلى عشر سنوات، عندما نشرت، بدأت التفكير، حسناً، هل أبدأ كتاباً
آخرَ، أم أستمر بما أقوم به وهو إدراة أعمال والدي.
غبريال: أنت تكتبين
بالعربية؟
خضيري: أكتب [بالعربية]. أنا أشعر بالعربية و أكتب بالعربية و
أحلم بالعربية. ولكن عندما تكون لدي مسائل بحاجة إلى حل أفكّر
بالإنجليزية. جانبي الغربي هو الجانب المنطقي. أما جانب والدي فهو
الجانب العاطفي. أحد أقربائي في بريطانيا جرّاح أعصاب وهو الذي
يترجم لي- د. مهيمن جميل.
غبريال:
لقد أخبرت الصحفيين الذين التقوا بك أنك لا تناقشين في السياسة.
ولكنك لو ذكرت العراق في هذه الأيّام، سواء أعجبك الأمر أم لا،
فليس من مهرب من عدم التفكير سياسيّاً. كيف تشعرين كعراقية تقوم
بجولة [تقديم] لكتابها في أمريكا في هذا الوقت بالذات؟
خضيري: دعيني أوضّح عدم مناقشتي للسياسة. لقد وعدت والدي بذلك قبل
أن يموت. أصرّ أن أعاهده على عدم الخوض في السياسة. تحدّرت من
عائلة تمتهن الإعمال. والدي رجل أعمال. أنا الكاتبة الوحيدة في
عائلتي على مدى أجيال. ولقد كان ضدّ كتابتي في الوهلة الأولى.
أرادني أن أصبح محاسبة، وهذا ما لا أطيق، ساعة موته كان غاضباً
منّي. ومن أجله فقط قمت بإدراة أعماله لمدة عشر سنوات بعد وفاته.
سافرت مراراً بين بغداد و عمّان. هذا يفسّر لماذا لم ينشر عملي
الأول إلاّ بعد عشر سنوات. ولكن منذ ثلاث سنوات فقط أخبرت عائلتي،
حسناً ، هذا يكفي، أريد إجازة لمدة ثلاثة أعوام، لا أريد العمل.
وهكذا بدأتُ بكتابة كتابي الثاني. ولكن السياسة التي أفهمها حقاّ
هي سياسة البناء وليست سياسة التدمير. وافترض أنها هذا ما ترشح عنه
كتابتي. وغالباً ما أخبر الصحفيين في مقابلاتي إنني أكتب عن
العراق، لكن عن الوجه الإنساني للعراق، وليس عراق الترويسات. فإذا
أردت أن تقرأ عن صدّام حسين فثمة كتباً كثيرة، ومقالات كثيرة. ولكن
ما أريد أن أكتب عنه هو الناس الذين هم في الخلفية، وعما يحدث لهم،
باعتباره نتيجة للقرارات التي يتم اتخاذها على خطوط التماس، ولأن
لا أحد يستشيرهم على أية حال. عندما تندلع الحروب، فلا شي، لا
المظاهرات، لا الدروع البشرية، لا شيء يغيّر مسار السياسة.
تشهد
أحداث الحرب العراقية الإيرانية وهي في بغداد، من سنة
80 إلى 88 ، بينما تشهد في لندن حرب الخليج الأولى من
خلال الميديا. تراقب نصفها البريطاني وهو يهاجم نصفها
العراقي. |
غلاف
الرواية عن موقع الروائية بتول الخضيري |
غبريال:
في كتابك تعودين إلى حرب الخليج في عام 1991 ، و ما يحدث للراوية
ولمحيطها في بغداد.
خضيري:
تدور أحداث النصف الأول من الكتاب في بغداد. وهو عن فتاة صغيرة
تنشأ في ثقافتين، وعن امّها البريطانية جداً والتي لا تشبه أمّي
الاسكتلندية إطلاقاً. ولهذا اكرر دائماً إنها ليست سيرة ذاتية.
فالأبوان كما تصورهما الرواية في فترة الستينيات والسبعينيات
يختلفان كلياً عن أبوي، بعد ذلك ففي النصف الثاني تنتقل أحداث
الرواية إلى بريطانيا، حيث تعيش لتعنى بأمّها. يطلق عليها في النصف
الأول من الرواية لقب ابنة الأجنبية، أما في النصف الثاني فتسمّى
بالعربية. فالقصة إذن عن امرأة تحاول البحث عن التوازن. تشهد أحداث
الحرب العراقية الإيرانية وهي في بغداد، من سنة 80 إلى 88 ، بينما
تشهد في لندن حرب الخليج الأولى من خلال الميديا. تراقب نصفها
البريطاني وهو يهاجم نصفها العراقي.
غبريال: بمعنى ما،
لا يسعنا أن نقول أن هذا ليس سياسياً، بالمعنى العام. فهو واحد من
الأمور التي تزعجك، أقصد الصورة المشوّهة التي يمتلكها بعض الناس
عن العراقيين.
خضيري:
كنت في برلين قبل بضعة أسابيع، وقدّمت قراءة في بيت الثقافات
العالمية، كانت الحرب قد اندلعت وقتها، والجميع يسألني عن الحكومة.
قلت:" لا تعليق" لأن بلدي ينزف. ولم أكن راغبة بالإدلاء بتصريحات
سلبية في تلك المرحلة. اعتقدت أنه غير ملائم. فهم [ أي الصحفيون]
يريدون جواباً صريحاً حول الموقف الذي تتخذين، وقلت أنني أرقب
الوضع مثلكم تماماً، وأنا أنتظر لأرى ما سوف يحدث، وهذا يوضح
أساساً لماذا تقرأين عن عدم رغبتي في التحدث بالسياسة.
ولكن من المؤكد أن الكتاب يحتوي على الكثير من الترميز، لأن الحرب
دمار، والفن عمار. وعلى مدى هذه الفصول ، هناك مشاهد عن باليه في
بغداد، عن نحّات يشتغل على منحوتة، وأيضاً بلاغات عسكرية. أي هناك
بلاغ عسكري، ثم اشتغال، يليه فن، ثم حرب ، يليها فن.
وخلافاً لراوية القصة، أنا لم أدرس الباليه، ولكن من اللطيف تعريف
الناس، فلقد أدركت أنهم لا يعرفون الكفاية عن العراق القديم.
فلدينا مدراس موسيقى وباليه؛ لدينا موسيقى – الفرقة السمفوينة
العراقية، أنت تعرفين، فهي حضارة قديمة. يرجّحُ عمر بعض الحفريات
ب8000 آلاف عام. وهذا هو عمرنا. حيث اخترعت الكتابة وتأسست أول
مكتبة، وكتب الأدب الملحمي، من هنا تنبع حضارتنا. فكل مرة ابدأ
بالكتابة يبدأ حواري الفاتن مع أسلافي القدامى، وعندما تابعت أخبار
المتاحف، كنت محطمة فعلاً. وواقع أن القوات بدت متفرجة ولم تصنع
شيئاً حيال الأمر كان صادماً. فإذا الغرض هو محو الحضارة فنحن
متجذرون ولا يمكن أن يتحقق مثل هذا الهراء. فهذا لن يتم، سنحاول
إعادة بناء ما يمكننا بناؤه.
ما
أتطلع إليه الآن هم الكتاب الذين في الداخل، لأنني
أعتقد أن كثيراً من المخطوطات قد كتبت، وهي مخبأة تحت
الوسائد، في مكان ما بانتظار نشرها. لم يكونوا على
اتصال بالعالم الخارجي، بامكانك تصور أصالة هذه
المؤلفات. آمل بأنني أذهب إلى هناك، وأساعد في نشرها. |
غلاف
الرواية العربية عن موقع الروائية بتول الخضيري |
غبريال: هل تكتبين
كتباً أخرى؟
خضيري:
انتهيت للتو من كتاب آخر. عن العراق أيضاً. فالكتاب الأول ينتهي
بنهاية حرب الخليج الأولى. أما هذا الكتاب فهو يغطي الفترة
اللاحقة، بدء العقوبات، إلى فترة ما قبل الحرب الثانية. انتهيت من
كتابته السنة الماضية، ولكني انتظرت حتى ينهي مترجمي كل شيء لأحرر
الكتابين معاً. وأرسلتهما إلى وكيلي قبل بداية هذه الحرب الثانية.
غبريال: ما كان عليه
شعورك في الليلة الأولى حين بدأوا بقصف بغداد؟
خضيري:
ما هو شعوري؟ لا أعرف. كنت أحاول تخدير نفسي حتى لا أشعر بشيء،
لأنني كنت محطّمة. لم أصدّق حدوث ذلك مرة أخرى. لم أستطع تصديقه.
كنت قد كتبت عن ذلك الكثير، وعندما حدث أمامي، كنت مصدومة. لا لحرب
أخرى، كافي، لخاطر الله.
غبريال:
هل تعتقدين بحدوث نقلة، انطلاقة، لكتّاب آخرين في العراق؟ ففي
المنفى كتاب عراقيون كثر. هل سيعودون، هل سيزدهر الأدب العراقي مرة
أخرى؟
خضيري:
الكتاب العراقيون الذين يعيشون في المنفى معروفون. ما أتطلع إليه
الآن هم الكتاب الذين في الداخل، لأنني أعتقد أن كثيراً من
المخطوطات قد كتبت، وهي مخبأة تحت الوسائد، في مكان ما بانتظار
نشرها. لم يكونوا على اتصال بالعالم الخارجي، بامكانك تصور أصالة
هذه المؤلفات. آمل بأنني أذهب إلى هناك، وأساعد في نشرها، سأحاول
أن أتصل مع الكتاب الجيدين وأساعدهم على النشر. أعتقد أن العالم
الأدبي بانتظارنا وستكون ثمة موجة أخرى من الكتّاب العراقيين.
ترجمة علي مزهر
عن مجلة
الجديد
المجلد التاسع عدد 42-43 شتاء/ربيع 2003
|