In the Press

 
 

تداعيات حول الانتخابات العراقية في الخارج

بتول الخضيري *

أ
علمتُ قبل يوم واحد من الاجتماع المخصص للاجابة على الاسئلة المتعلقة بالانتخابات العراقية، وطُلب مني ابلاغ من اعرف من النساء العراقيات هنا في عمان عن هذا الحدث. "صوت واحد يقرر مستقبل العراق ... صوتك" هذا ماكان مكتوبا باللغات العربية والكردية والانجليزية على اللافتة الموضوعة في صالة الاجتماعات.

نظمت هذه التظاهرة (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق – والتي اسستها سلطة الائتلاف المؤقتة). كان برنامج الانتخابات في خارج القطر من مسؤولية منظمة الهجرة الدولية، وهذا ما يفسح المجال للعراقيين القاطنين في الخارج للمساهمة في انتخاب الجمعية الوطنية والذي حدد له الثلاثين من كانون الثاني 2005.

قدم المتحدث من شمالي افريقيا، وهو خبير في شؤون الانتخابات، موضحا: "ان البرنامج سيكون متاحا في اربع عشرة دولة وبالامكان التعامل مع مليون من المسجلين الذين سيدلون باصواتهم. ولقد تم فرز مبلغ 92 مليون دولار امريكي من الاموال المخصصة لهذا البرنامج لتغطية الأمور الامنية". همهم رجل مسن كان يجلس بجواري: "ولا اجراءات امنية هنا. لمحت رجالا دخلوا وخمطوا كمية من منشورات الدعاية واختفوا. الله وحده اعلم ماكان بامكانهم زرعه تحت احدى المناضد".

كان عدد الحضور يناهز الثلاثمائة، يحملون بايديهم انواعا مختلفة من المسابح، وبعضهم يرتدي غطاء رأس يحملون مطبوعا لصورة وجه عراقي كتب عليه، "اينما كنتُ فقلبي في العراق". اما النساء فقد تبرعن للقيام بدور المضيفات يرشدن الحضور الى مقاعدهم، وقامت الشابات بالترجمة للفريق الدولي المنظم. تقضي الخطة بجذب حوالي 200.000 ناخب عراقي موجودين في الاردن للادلاء باصواتهم. ملصقات ومنشورات مختلفة الوانها حمراء وزرقاء وبيضاء كلها تحمل صورة العلم العراقي تتوسطه عبارة "الله اكبر". قلتُ لنفسي: "أحقا سأنتخب لأول مرة في حياتي وانا في حوالي الاربعين !"

سألت احداهن: "كيف يمكنكم منع من يحاول الادلاء بصوته مرتين؟ هل سيختم على ظاهر الايادي بعبارة "ادليت بصوتي" بأحبار لا يمكن ازالتها بالماء؟ وجاء الجواب بالنفي: "لا، فما تعطين من معلومات تسجل على الحاسوب، ولا يستخدم الحبر الا لملئ نموذج التصويت."

وسأل احدهم مشتاطا: "لماذا لم يحضر من السفارة حتى شخص واحد؟" وجاءه الجواب على استفساره "ليس للسفارة دخل بعملنا." وهنا همست سيدة جالسة على نفس مائدتنا: "انا اعمل في السفارة، ولقد اخبرنا بان لا نتدخل في هذه السياقات. يجب ألا يظهر هذا المشروع وكان الحكومة ترعاه."

وقف رجل اسمر وقال بلهجة خطابية: "انتم تتكلمون عن حملة توعية. كيف يمكن ان تصل الى 80 % من العراقيين الموجودين في الاردن والذين لا يستطيعون حتى دفع سعر جريدة. اما ال20 % الباقون فهم النخبة الحضور في هذه الصالة. هناك حوالي 100.000 عراقي من الطبقة العاملة موجودون في مدينة الزرقاء لوحدها. من سيغطي تلك المناطق؟ لا تبذروا اموالكم على وسائل الاعلام والدعايات التلفزيونية. استخدموها للوصول الى من هم اقل حضوة. ستجدوهم في محطات الباصات ومواقف سيارات الاجرة."

اجابت سيدة شقراء من الهيئة المنظمة: "سوف نوزع المعلومات في الاسواق العامة، والمخازن الكبرى، والمستشفيات، والجامعات، والخ." واضافت بهلجة تنم عن انها من دول اوربا الشرقية: "ونطلب منكم ايضا ان تنشروا الحدث بالتحدث الى بعضكم "فماَ لفم" وقالتها بالانجليزية وبلهجتها "ماوس تو ماوس " (مما يعني فأر لفأر).

وقال رجل آخر يتسم بالجدية: "معظم العراقيين القاطنين في هذا البلد باقون رغم انتهاء مدة اقاماتهم. سوف لن يغامر هؤلاء بتعريض انفسهم للمساءلة من اجل الانتخابات. هل تضمن ان لا يكون موظفون حكوميون اردنيون من بين المنظمين الذين يدققون وثائق الناخبين العراقيين؟" واقترح آخر: "وما دمنا في هذا المجال فلماذا لا تلغون الغرامات التي تفرض على من انتهت صلاحية اقاماتهم". اجاب المنظم باسلوب دبلوماسي: "سوف تعامل كل المعلومات التي تؤخذ من العراقيين بسرية، ولاغراض الانتخابات فقط".

وجوابا عن سؤال حول مكان الانتخاب؟ "ان هناك 150 موقعا ستكون مراكز انتخابية، ولكن لم يبت فيها نهائيا بعد. ولم توقع مذكرة تفاهم مع الحكومة الاردنية بعد، لذا فنحتاج الى موافقة وزارة التربية لاستخدام مرافقها. اننا لا نتعمد تأجيل اي شي ولكننا لم نحصل على الموافقات بعد لاستخدام المرافق العامة. سيجري توقيع المذكرة خلال ايام".

كتبت على اوراقي"كل هذه الضجة وهناك ثمانية عراقيين فقط ضمن الفرق المنظمة للانتخابات! ان الامل هو بتحشيد 1500 عراقي للعمل في هذه الدوائر. انهم يقولون ان ليست العبرة بالارقام. المهمة صعبة، وامامنا اربعة اسابيع! كيف سيكونون جاهزين للانتخابات!"، ثم لمحت فتاة صغيرة، تناهز الثماني سنوات: خدان ممتلئان وعينان مستديرتان لماعتان وشعر بني سرح. كانت تمضغ علكة زهرية اللون. دارت بعينيها حول الصالة وكأنها تسجل صور النقوش الاسلامية على الجدران والثريات المغربية المتدلية. لا أدري ان كانت قد لاحظت الحشرات الميتة احتراقا في قعر الاغطية الشفافة. كانت تهز رجلها دونما ملل. التقت عينانا وتبسمنا كل لصاحبتها. كتبت في دفتر ملاحظاتي "ربما وحين تكونين انت في سني ستساهمين في التغيير".

سؤال اخير: "هل عملتم على الالتقاء بالمعارضة العراقية من اجل افهامهم ان الانتخابات يمكن ان تكون اكثر تاثيرا من عمليات التفجيرات الانتحارية؟" الجواب: "ان تنضيمنا يتناول فقط العراقيين في الخارج. لا يعنينا امر العراقيين في الداخل."

لم تتحرج السيدة التي تجلس بجانبي على الرد على هاتفها النقال: "نعم عزيزتي، اذا ما كنت عاقلة فسأجلب لك معي ملصق ملون جميل عن العراق."


* بتول الخضيري ولدت من أب عراقي وأم اسكتنلدية عام 1965. عاشت في العراق حتى سن 24. والكاتبة مقيمة في الأردن حيث نشرت روايتها الاولى "كم بدت السماء قريبة" والثانية "غايب".
.

 

back