In the Press

 
 

رنا ابو حنا ـ حلو
لم تكن هذه المرة الأولي التي أقترب فيها من أجواء العراقية بتول الخضيري فقد تعرفت علي بداياتها وقرأت كم بدت السماء قريبة .
كان عملا جادا، استغرق منها عشر سنوات، لكنه أشار بوضوح الي مهارات عالية في مجال السرد الأبداعي امتلكتها الكاتبة، لتخطو حثيثاً في المشهد الروائي العراقي والعربي. صدارة الأدب الروائي العراقي المعاصر.

جمعت بتول الخضيري في روايتها البكر تلك، تفاصيل حميمة تخص زوجة بريطـــــانية عاشت مع زوجها العراقي في العـــراق، وقد مزجت بين دور الأب الشرقي والأم الانكليزية ...
وهل نكتب غير قصتنا؟!
فبتول الخضيري ولدت عام 1965 لأب عراقي وأم أسكتلندية، وعاشت أجواء فترة الحرب العراقية الايرانية وفترة حرب الخلـــيج، وقد أستطــــاعت أن تعــــبر روائيا عن هــــذه المرحــــلة التاريخية، وأن تبـــــرز علاقـــة الفتــاة بالشرق مـــن خلال والدها، وعلاقتها بالغرب من خلال والدتها.
ومن خلال بحثها عن هويتها ما بين العالمين المتناقضين، لجأت الي الفنون كمتنفس وطريق حيادي للتعبير الصادق عن أجواء الطفولة والمكان والطبيعة والأحداث.
اليوم تقدم المؤسسة العربية للدراسات والنشر روايتها الثانية غايب وتقوم بتوزيعها دار الفارس للنشر والتوزيع في الأردن.
تجمع الرواية سبعة عشر فصلا بتسلسل مريح للقراءة في 262 صفحه من القطع المتوسط، بين صورتين للغلاف الأمامي والخلفي، التقطتا بكاميرا الفنان العراقي محمد الشمري ، حيت تبرز الأولي عجوزا بالخمار الأسود تنوء في ما برز من قسمات وجهها ويديها بتجاعيد الثمانين، وتحمل فنجانا من القهوة يظهر عن فتاحة وتنجيم ؟!

جلست والخوف بعينيها
تتأمل فنجاني المقلوب

أما صورة الغلاف الخلفي، فتشع باضاءات وجه المؤلفة الشابة، ترسم علي محياها ابتسامة صادقة الي جانب غمازة تسخر بالأنجم ...
كملامح صورتها تلك، وكاتساع رؤية كل المبدعين العراقيين، يقطر قلمها ثقة بالنفس وعنفوانا بالشباب. فتصوغ نصوصها الممزوجة بضيق الحصار وشحة العــــيش ورائحة الحرب، وتثري النص في الخوض بتفاصيل دقيقة لا ولا تضعف المادة، بل تمزج بين الخيال والواقع مخلفة نكهة خاصة في نفس القاريء الذي يعيش تلك الأسطر في نوع من البلبلة الهادئة والكوميديا السوداء.
تمتلك الخضيري لغة جذابة بلا تكلف أو تصنع ولا يأخذها الوقت في البحث والتنقيب عن مرادفات لغوية دخيلة، بل تلجأ الي استعمال اللفظ العامي والأعجمي للكلمة، (سشوار، شامبو، كلينكس...).
فهل وجدت ضالتها في اللغات ؟ أم أنه الشعور أن اللغة كالأنسان عمرها ما أكتملت. (ص233)
يبدو واضحا أن أن بتول روائية مبدعة شابة تكتب بلغة العصر لقارئ تعرف مبتغاه، تحدد له الهدف وما وراءه، وتنقله بسلاسة وببساطه بين السطور، راثية لحال عراق اليوم، عراق الحصار والحرب والموت، عراق الفساد والهدم والدمار.
تمثل بتول حياة في الزمن، والأمتثال للزمن في الرواية أمر لا بد منه، ولا يمكن أن تكتب رواية بدونه. لقد رصدت الأحداث وعايشتها وأختزنتها، حتي أخرجتها بقالب روائي جمالي لتحكي عن أحوال سكان شقة سكنية في وسط بغداد، وتصل الي المتلقي بصورة حوارات ذكية ليست تقليدية.
تري كيف أعطي الأستاذ من الطابق الأول نبذة مختصرة عن أهل العمارة لسعد ؟!
هل قال له انها عمارة الاكتفاء الذاتي ؟ الهام تمدنا بالأدوية المفقودة في الصيدليات العامة . العم سامي يأتينا بالمجلات العربية والأجنبية بشكل خاص، عن طريق معارفه في دمشق. أم غايب تحول الي أم مازن زبونات الخياطة، وأم مازن ترسل لها زبونات الفنجان. أم مازن ستمد سعد بمريضاتها، وهو سيعمل لها دعاية. أبو غايب سيبيع العسل للجميع. أما أنا فسأدرس اللغة الفرنسية (ص 139).
لقد أخرجت بتول بكلماتها العابرة علي لسان سكان العمارة تلك ونظراتهم الثاقبة وتنهيداتهم الآسرة وتنقلاتهم بين الأدوار والأدراج، أخرجت حياتهم من نطاق السرية والحياة الخفية الي دائرة الحقيقة والعلم، لتفتح أعيننا علي دليل أجتماعي فكري سياسي آيل في الفساد السقوط...

عراق ...
عراق... عراق...
ليس سوي عراق

أنها صور صراع البقاء في هذا العراق، صراع العراقيين لأجل البقاء في ظروف حصار وحشي لا يرحم ونظام دكتاتوري فاسد، وما ترتب عليه من تهاو...

أن اللعبة لم تتغير، لكن تخيلاتك أثناء اللعب تتغير من يوم الي آخر، هذا هو الأبداع ، (ص 212).
كاتبة من فلسطين