In the Press

 
 


صحيفة الرأي – عمان – 19/10/ 2002

كاتبة عراقية توقـّــع الطبعة الأمريكية لروايتها في " الأندى "
الخضيري : جريدة " الرأي " أعلنت ميلادي الأدبي
علي عبد الأمير

 رواية " كم بدت السماء قريبة " صدرت عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" بطبعتين، الأولى العام 1999 والثانية في العام  2000، وحققت انتشاراً واسعاً جعلها من ابرز الروايات العراقية والعربية الصادرة في الأعوام الأربعة الماضية، وراجعها نقاد وكتاب عديدون متوقفين عند البراعة الفنية في بنائها وفرادة موضوعها الذي يسلط الضوء على العراق المعاصر من خلال عيون شخصية رئيسة نصفها عراقي والنصف الآخر بريطاني، على الرغم من كون الرواية، العمل الأول للخضيري المقيمة في عمان منذ سنوات والمولودة في بغداد العام 1965.

ويُنتظر صدور النسخة الفرنسية من رواية " كم بدت السماء قريبة " في الصيف المقبل ضمن علامات من الاهتمام الأكاديمي والأدبي بالرواية باتت تدرس في غير ذي جامعة عربية وغربية، وقوبلت بمراجعات نقدية في أشهر المجلات والدوريات والصحف في بريطانيا والولايات المتحدة. 

عن عملها الروائي وجذوره الذاتية والموضوعية، وعن المسافة التي قطعتها في اختيار الأدب شكلاً للتعبير عن رؤاها وحياتها، وعن صورة العراق المرتسمة في روايتها، وعلاقتها مكانياً وثقافياُ بعماّن، كان ل " الرأي "  هذا الحوار مع بتول الخضيري.

   

يقول الروائي مطر عن روايتكِ أنها " تتميز بنكهة عراقية أصيلة "، ويؤكد الناقد طرّاد الكبيسي انكِ كنتِ على"  قدرة هائلة في الغوص إلى أعماق الأشياء وتفاصيل الحياة في العراق"، إلى أي مدى تشعرين انكِ كتتبتِ شيئاً جديداً في الرواية العراقية؟

أنا حد هذه اللحظة، أعتبر نفسي هاوية في الكتابة، وشرف لي أن يوضع اسمي إلى جانب كـُتاب الرواية العراقية، ولم أتوقع ذات يوم أنني سأمنح هذا الوصف : " روائية عراقية " ، انه ليس سهلاً، بل مسؤولية كبيرة. الكاتب  الفعلي، هو الذي يحدِث تغييراً، أي التأثير في روح المتلقي وفكره أو يساعده على رؤية الأشياء التي كان قد تغاضى النظر إليها والتوقف عندها، دون أن يكون للكاتب هدف قصدي من كتابته، أي دون أجندة، ولا أقصد هنا العمل المسبق في الكتابة ذاتها، انما النوايا المتخفية وراء الكتابة.

أنا  لم أكتب روايتي لكي أؤثر بفئة اجتماعية أو بتكوين وطني معين، ولكن اذا جاء رد فعل يحيلني إلى كوني كاتبة عراقية واستطعت أن أعبر عن لحظة عراقية بكل تجلياتها، فذلك يعني وجود اتصال حي بين الكاتبة وبين المتلقي في بيئتها الاجتماعية والفكرية.

 

في " كم بدت السماء قريبة " جو بغدادي واضح، بل فيها " مظهر العراق " وجوهره كما تقول ياسمين البحراني في مراجعتها للرواية في صحيفة " يو أس توداي " الأمريكية، والرواية قرأت بشكل جيد في بغداد التي تعيش اليوم غير حالها التي كانت حين عشتِ فيها، كيف ترين هذه المفارقة؟ هل إن البغداديين الذين أحبوا عملكِ نظروا بحنين إلى عالمهم القديم؟

ثمة مفارقات وليس مفارقة واحدة، فوالدتي الأجنبية كانت تشجعني على الأنتباه للجو العراقي بحكم تركيزها على اللهجة العراقية حتى اتقنتها، وإلى ذلك كانت لا تكف عن سؤالي: ماذا يقول هذا الشخص وماذا يقصد بهذه العبارة؟ كانت تشجعني على رسم الشخصيات الإنسانية التي تتعامل معها اجتماعاً، فأرسم "بائعة اللبن"، وكان ولعها لا يوقفه حد في جمع مختارات من الفن العراقي المعاصر، وتحديداً الأعمال التي تصور البيئة البغدادية مثل " الشناشيل "، وتثير انتباهي إلى "عازف الربابة" المتجول بين البيوت حين يتوقف عازفاً مغنياً لأهل الدار محيياً كبيرهم، وإلى منظر العمال الأكراد الماهرين في غسيل السجاد، حين يفرشون النادر والثمين من قطع السجاد الأصلي ويبدأون تنظيفه بطريقة بارعة. هذه كانت مفارقة أولى حين دخلَت الشخصية البغدادية في دمي ولكن من خلال امرأة أجنبية. والمفارقة الأخرى تتعلق بكيف تلقى العراقيون كتابي، فمن قرأه وهو في بغداد وجد فيه غير ما وجده العراقي في الخارج، والذين من جيلي في بغداد قرأوا الكتاب لأنه وثق الأغنيات الشعبية والأناشيد في المدارس والألعاب في الحارات، أي انه أحالهم إلى طفولتهم، وكان رد فعلهم أيجابياً على صور وردت في الكتاب كانوا قد عاشوها مثلما عشتها أنا.

المغتربون العراقيون كان لهم في الكتاب، بُعد نفسي آخر. الرواية كانت لهم جسراً بين راهنهم الاجتماعي والثقافي والنفسي في الغربة، وبين الوطن الذي تركوه. في داخل البلاد تفاعل القارئ مع شخصية الجندي الذي عاش أزمة الحرب ، في حين تفاعل المغترب مع الشخصية الرئيسة التي عايشت تدمير بلادها يومياً من خلال الإذاعات العالمية.

 

من يقرأ الرواية يجد أنها مكتوبة بعفوية، لكن هذه العفوية لم تؤثر على سلامة البناء الفني للرواية، كيف توصلتِ إلى هذا المزج ما بين السلاسة والرهافة وبين ابيناء المعماري العميق للرواية؟

أنا أضع مخططات لك ما أعيشه، أكتب تفاصيل وهوامش، أوثق حالات ومشاعر تخصني أو تخص آخرين. أجمع حكايات وأعود إلى الذاكرة، وهذه كلها عناصر ترد في البنية الحكائية  للنص ولكنها لا ترد عبثاً، أنما ضمن بناء منهجي وإن كان غير ثقيل على الجانب الذي أسميتـَه عفوياً. استفدتُ في تطوير مهارة الكتابة الروائية من خلال دراستي آداب اللغة الفرنسية على يد استاذي الدكتور مهند يونس الذي وسع مداركي على تقنيات الكتابة وتحليل النصوص. كما أنني بدأت أقرأ مبكراً بتأثير من والدتي وباللغة الانكليزية، ولكنني لم أكن أتوقف عند القراءة فقط، فوالدتي كانت تحثني على أن افتح بيدي الغضتين الورود كي أعثر على " الجنيات " التي تختبئ ما بين أوراقها. هكذا تدربت على الجمع في روحي ما بين المتخيل وبين الواقعي، وهكذا جمعت ما بين حياتي الشخصية وبين حياة أناس لم أتردد في دخولها عميقاً دون أن تتطابق حياتي مع حياتهم بالضرورة. هذا أعتبره نوعاً من التركيب الحياتي تحول إلى تركيب في الوعي وفي كتابة الرواية، ولكن دون تدخل قسري، انما جاءت عناصره منسجمة ومتداخلة.

 

إذن ما هي المرجعيات التي كونتكِ كاتبة تقول عنها حنان الشيخ " انها صاحبة أسلوب حديث آسر من صوت جديد وقوي في الأدب العربي " ؟

كنتُ وليدة أجواء مشحونة بالاختلاف: كانت والدتي تصر على تعلمي الفنون، فيما والدي يصر على ابتعادي عنها مفضلاً انخراطي بدراسة تقربني إلى عمله الصناعي والتجاري، دون أن يعني ذلك أنه كان كارهاً للفنون بل هو من أدخلني إلى أجوائها الغريبة ولكنه ظل يريدني أن أتعلم فنوناً محلية: آلة القانون الموسيقية مقابل رغبة والدتي بتعلم البيانو. من هنا تولدت عندي شخصية حيادية، لا أنا منحازة إلى هذا الطرف أو ذاك، لا إلى هذه الثقافة أو تلك، لا أقف إلى جانب والدتي ضد والدي ( كنتُ أتحدث بالانكليزية في البيت حين يكون أبي خارجه، والعربية حين يعود)، ويبدو أن هذه " الحيادية " أمدتني بطاقة على المراقبة والمراجعة والتمحيص ومتابعة مسار الأحداث بهدوء حتى وإن كانت أحداثاً عاصفة وسريعة، وكان أن استفدت من هذه الطاقة في كتابة " كم بدت السماء قريبة ".

 

تميزت حياتك بانتقالات وتجوال بين أمكنة وثقافات ومسارات شخصية وموضوعية، كيف تنظرين إلى مساركِ الإنساني الشخصي؟

 ●كأنني لم أخرج من العراق، أحمل بلادي في كل نصوصي العاطفية والأدبية والنفسية. من تأريخي هناك استقيت القدرة على التحمل، تعلمت كيف يتغلب الإنسان على مصاعبه، وكيف يكون دائماً بقصد التطابق ما بين مفاهيمه وحياته. لم أخرج من بغداد التي عرفت وعشت واحببت وهي ما زالت تضيء حياتي عميقاً، وستظل على ما أرى حاضرة إلى زمن مقبل في كتابتي.

 

أنتِ تقيمين منذ سنوات في عمّان، ما الذي تركته عليكِ مدينة التلال السبعة من تأثيرا اجتماعية وثقافية؟

عاش والدي ووالدتي في عمّان أيام زواجهما الأول في العام 1958 وولد فيها أخي وأختي حتى انتقلت العائلة إلى بغداد في بداية ستينات القرن الماضي. من هنا تولدت لنا صلات وثيقة مع الأردن ومجتمعه، وكنتُ في عقد الثمانينات أزور عمّان أكثر من مرة في السنة حتى قررت الإقامة فيها العام 1997 وما زالت منسجمة مع فكرة الاستقرار هنا والعيش بهدوء وإنتاج كتبي وأدبي.

وفي عمّان كان ظهوري الأدبي، فقصتي العربية الأولى نشرت في صحيفة " الرأي " في الثمانينات بعون من الأستاذ خالد الكركي الذي كان يدرسني اللغة العربية في الجامعة الأردنية. كما كانت الاستاذة في جامعة البتراء الدكتورة ليلى نعيم، أول من اطلع على مخطوطة روايتي، وعن طريقها تعرفت على المفكر والباحث الأكاديمي الدكتور فهمي جدعان الذي حرص على مراجعة النص وتنقيحه لغوياً، وأوصيا بي الناشر ماهر الكيالي الذي رحب بالرواية وعمل على نشرها بطبعتين. ومن عمان جاءت أولى المقالات النقدية وجاءت الآراء القيمة من نُقاد وكـُتاب أردنيين: د.ابراهيم الخليل، د. بلال جيوس، نزيه أبو نضال، جميلة عمايرة، سميحة خريس، عمر شبانة، ويوسف ضمرة. ومثلما كانت عمّان المكان الذي ولدت فيه " كم بدت السماء قريبة " فهي كانت المكان الذي انتقلت منه إلى فضاءات اللغة الانكليزية عبر الاستاذة في معهد الدراسات الشرقية والاسلامية في " جامعة درم " بانكلترا، الأديبة والكاتبة الأردينة د. فادية الفقير.

في عمان أشعر بالألفة وأحس بدوافع عميقة إلى الكتابة.